تفسير ابن كثير
يخبر تعالى أنه عاوض من عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنة وهذا من فضله وكرمه وإحسانه فإنه قبل العوض عما يملكه بما تفضل به على عبيده المطيعين له. ولهذا قال الحسن البصري وقتادة: بايعهم والله فأغلى ثمنهم. وقال شمر بن عطية ما من مسلم إلا وللّه عز وجل في عنقه بيعة وفي بها أو مات عليها ثم تلا هذه الآية. ولهذا يقال من حمل في سبيل الله بايع الله أي قبل هذا العقد ووفى به. وقال محمد بن كعب القرظي وغيره قال عبدالله بن رواحة رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ليلة العقبة اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال " أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم " قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال " الجنة " قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم " الآية وقوله " يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون " أي سواء قتلوا أو قتلوا أو اجتمع لهم هذا وهذا فقد وجبت لهم الجنة. ولهذا جاء في الصحيحين " وتكفل الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاد في سبيلي وتصديق برسلي بأن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة " وقوله " وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن " تأكيد لهذا الوعد وإخبار بأنه قد كتبه على نفسه الكريمة وأنزله على رسله في كتبه الكبار وهي التوراة المنزلة على موسى والإنجيل المنزل على عيسى والقرآن المنزل على محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وقوله " ومن أوفى بعده من الله " فإنه لا يخلف الميعاد. هذا كقوله " ومن أصدق من الله حديثا " ومن أصدق من الله قليلا " ولهذا قال " فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " أي فليستبشر من قام بمقتضى هذا العقد ووفى بهذا العهد بالفوز العظيم والنعيم المقيم.
الترجمة للألمانية الترجمة للإنجليزية تفسير الجلالين
سكربت القران الكريم جميع الحقوق متاحة © 2003 - 2024
POWERED BY: www.alsaeed.org